الحمد لله محقُّ الحق ومبطلُ الباطل، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ صاحب القول الفاضل والحكم الفاصل، وعلى ءاله وأصحابه النجباء الأماثل. خيرُ الوصيةِ تقوى الله عزَّ وجلَّ، في السرِّ والعلنِ، فيما ظهرَ مِنْ أمرِنا وما بطن، فلي ولكُمُ الوصيةُ بأنْ نتقيَ اللهَ في أنفسنا وأهالينا وأزواجنا وأولادنا وجيراننا وأصحابنا وأحبابنا وأموالنا وأقوالنا وأفعالنا وأحوالنا، قبل أن لا يكونَ درهمٌ ولا دينار.
يقول الله في محكم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾ (سورة البقرة / ءاية 114)
إنها الدنيا، فيا هناءةَ ويا سعادةَ من صَـبر على بأسها ولأوائِها، وكانت همتُه مصروفةً إلى حيثُ يُحبُّ اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، فمن صبر هذه الأيام القلائل في الفانية ربِح تلكَ الأيام الطِّوال في الباقية.
أيها الإخوة الأعزَّاء ؛ تأثَّرناهُ فمَا دانيناهُ، وتلفَّتَ إلينا فأنقذَنا من شوك فتن العصر، فاطمأنت له نفوسنا، وقرَّت به أعيننا، مانحُ فضْلٍ، وقائلُ فصْلٍ، دليله قويم، وصراطه مستقيم، بيانه صريح مشهور، عرَفنا عنه أكثرَ مما عرف الحساد والأعداء، وأقلَّ مما عرف الأنداد وخواص الأولياء. إنه وليُّ اللهِ الصالح، المرشدُ الفاضل، العلامة الفهامة، النحرير الفقيه، المحدِّث المفسر اللغويّ الكبير، المجتهد المجدّد الحافظ، الشيخ عبد الله الهرريّ العبدريّ الشيبيّ الحبشيّ القرشيّ الأشعريّ الشافعيّ الرفاعيّ القادريّ رحمات ربي عليهِ.
إنه أشعريّ زمانه، وشافعيّ أوانه، رفاعيّ الطريقة، وقادريّ الطريقة. عاشَ رحمَه الله عالمًا محدثًا، وماتَ عالمًا محدثًا إلى ءاخر لحظةٍ في حياته العامرة بالطاعات والمبرَّات. رحلَ نعم، لكنه تركَ علمًا نافعًا، وربَّى رجالاً رجالاً. رحلَ نعم، لكنَّه خلَّفَ نشأً صالحًا، وجيلاً واعيًا.
و قد تركَ رحمه الله وصيةً غاليةً نفيسةً يقول فيها: هذا ما يوصي به نفْسَه وأهلَه وأحبابَه وطلابَه عبد الله بن محمدِ بنِ يوسفَ الهرريّ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. كما أني أوصي بعلم الدين، فهو دليلٌ على السعادة الأبدية التي لا نهايةَ لها، ودليل الفلاح في الدنيا والآخرة. وأوصي بالتمسك والعمل بكتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتزام مذهب أهل السنة والجماعة، والعمل على نشره وتعليمه للناس، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أوصي بالتحاب في الله، والتناصح في الله، وكونوا عونًا لبعضكم ولا تكونوا متفرقينَ متشاحنينَ متباغضينَ، واعملوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير]. وإياكمْ والتنافرَ وإيثارَ المال على الآخرة، فإن أعداءَ الدين يتربصونَ ويَجتهدونَ في محاولة هدمه، فكونوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [المؤمن للمؤمن كالبنْيَان يشد بعضه بعضًا].
كما أوصي بمعاونة إخوانكم في الجمعية، فكونوا عونًا لهم، ولا تكونوا عونًا عليهم، واجتمعوا ولا تفرَّقوا فتذهَبَ ريحكمْ. وكلّ مَنْ يضْعف أمرَ هذه الجمعية أوْ ينفر الناسَ عنهَا فَانْبذوه، واعلَموا أنه يحارب الدينَ. أسأل اللهَ تعالى لي ولكم حسنَ العمل والختام.
هذه وصيته أيها المسلمونَ المؤمنونَ الموحدونَ لله، هذا شأن علماء الآخرة، أيامهمْ كلّها إرشاد، وكلامهم دعوةٌ إلى السداد، ينفعونَ العباد، وينوّرونَ البلاد، بأمدادٍ تلوَ الأمداد. فالعلماء همْ وَرَثَة الأنبياء، والأنبياء وَرَّثوا هذا العلمَ، فنهَلوا من مَعينهم العذب السَّلْسَال بحظٍّ وافرٍ، وعَملوا وأَخْلصوا وبلّغوا وصدَقوا، فيا طيْبَ ما حَصَدوا من طيب ما زَرعوا.
إنَّ العلامةَ الشيخَ عبدَ الله الهرريَّ رحمه الله يوصينا بالثبات على الإسلام، فتَمَام النعمة الوفاة على الإسلام، وكفى بها منْ نعمةٍ. فالإسلام هو الأصل في الأعمال، وهو سبب قَبول العمل الصالح، وهو سفينة النجاة، ودرب الخلاص، وهو مفتاح الجنة، وسبيل الفوز يومَ القضاء والجزاء.
الشيخ عبد الله الهرريّ يوصينا بالتزام منهج العلم، فعلم الدين حياة الإسلام، وعلم الدين دليل الفلاح والنجاح ، وعلم الدين منارةٌ وسعادةٌ وإفادةٌ، فبالعلم يميز العبد بينَ الحق والباطل، بينَ الخير والشر، بينَ الإيمان والكفر، بينَ مَا له ومَا عليه، بينَ الحقوق والواجبات. فعلم الدين مثْل الشمس في الفلَك، ومثْل التاج للمَلك، ومثْل الماء للسمك. الشيخ عبد الله الهرريّ يوصينا بالعلم، ويذكّرنا بهذه الأقوال المشهورة المأثورة:
ـ إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمن تأخذونَ دينَكم.
ـ لا يَستحي الكبير أن يتعلمَ، كما لا يستحي أن يَأكلَ الخبزَ.
ـ لا ينال العلمَ اثنان: مستحٍ ومستكبرٌ.
ـ علمٌ بلا عملٍ بستانٌ بلا شجرٍ، وعملٌ بلا إخلاصٍ شجرٌ بلا ثمرٍ.
ـ زكاة العلم إنفاقه.
ـ خير ما أنفقتْ فيه نفائس الأوقات: طلب المزيد منْ علم الدين.
ـ علامة الفلاح في الشخص أن يكونَ منهومًا بطلب المزيد من علم الدين.
ـ العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسكَ، وأنتَ تحرس المالَ.
معشرَ الإخوة الأحباب، إنَّ الشيخَ عبدَ الله الهرريَّ يوصينا بتقوى الله، ولا تقوى بدون علمٍ، فما اتخذَ الله وليًّا جاهلا، وخير الزاد التقوى، وهي الحبل الأقوى، والطريق الأنقَى، وهيَ الغاية المرْجوَّة، والبغية المنشودة، وبها يَنال العبد رضى مولاه، ومَنْ صارَ حبيبًا لله وليًّا لله لا يَنْقَلب عدوًّا لله، والله يدافع عن الذينَ ءامَنوا.
الشيخ عبد الله الهرريّ يوصينا بالمثابرة على منهاج أهل السنة والجماعة، منهاج الأشاعرة والماتريدية، مئات الملايين منَ المسلمينَ، الجمهور الأعظم من الأمة. ويوصينا الشيخ رَحمَه الله وأحسنَ مثواه بنشر هذا المنهاج الوهاج السراج، وأن نكون ناصحينَ بالخيرات، ءامرينَ بالمَكْرمَات، ناهينَ عن الموبقات، لنكونَ من خير هذه الأمة التي أخرجَتْ للناس .
الشيخ عبد الله الهرريّ يوصينا بالتواد فيما بيننا والتحاب والتناصح والتباذل والتراحم والتزاور والتهادي والتعاون والمصابرة وتحسين الظن، ويوصينا جزاه الله خيرًا بترك كل ما يؤدي إلى التباغض والتشاحن والتناحر والتباعد والتقاتل، حتى لا تذهبَ ريحنا، ويشمتَ بنَا أعداؤنَا، ونخسرَ دنيا وأخرى، فالمرء قليلٌ بنفسه، كثيرٌ بالجماعة، وإنما يأكل الذئب منَ الشاة القاصيةَ.
الشيخ عبد الله الهرريّ يوصينا بالتزام منهاج جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية فهي الساهرة بالأمانة، لتنامَ عيوننا بالأمان. وخسرَ هنالكَ المبطلونَ، وخَسئَ الحاسدونَ الحاقدونَ. ويوصينا رضيَ الله عنه بترك القيل والقال، وترك الغيبة والنميمة وسوء الظن والتحامل على الإخوان، يوصينا بنبذ صاحب الوجهين واللسانين، وبعدم ترك فرجاتٍ للشيطان ليدخلَ بينَنا ويصدَّنا عن سبيل الله. رَحمَكَ الله يا معلمَ الناس الخيرَ، رَحمَكَ الله يا حبيبَ الله، يا وليَّ الله، رحمكَ الله رحمةً واسعةً، وجمعَنا بكَ في أعلى عليينَ، وفي الفردوس الأعلى، ءامين.
تاريخ الإضافة : | 19/11/2010 |
الزيارات : | 5325 |
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
الكاتب : | SunnaOnline | سنة اون لاين |
القسم : | مقالات في فضائل الهرري |
التعليقات على الماده