قد ترعرعت منذ نعومة أظفاري في بيروت وبالتحديد في منطقة الطريق الجديدة في بيتٍ من الطبقة الوسطى، حيث شأني شأن الكثيرين من أبناءِ هذه المدينة يتباهى أهاليهم بأنهم يعلمونهم في مدارس إرساليةٍ أو أجنبيةٍ، ليتقنوا اللغة الفرنسية والإنكليزية بطلاقةٍ تجاري أصحاب اللغة أنفسهم.
منذ صغري لم أعرف عن الإسلام إلا النطق بالشهادتين، والصلاة، وككثيرٍ من العائلات السُّنِّية في بيروت كان أهلي يحتفلون برأس السنة يرقصون على أنغام الموسيقى الصاخبة هم ومدعوُّهم مع الفرح والمرح وقد يتخلل ذلك بعض الخمور التي يتلذذ بها بعض الحاضرين ويمتنع البعض عنها، في الشتاء هي المدرسة والدرس المتواصل، وفي الصيف هو الجبل واللهو واللعب وتسلق الأشجار والتلذذ بالثمار والتمتع بالنسيم البارد في جبال لبنان.
وأنا طفلٌ جاهلٌ وأهلي جهّال يعرفون من الدين كما أعرف، ثم في يوم من الأيام من حظي العثر أن تلفظت بهذه الكلمة لأنني كنت أسمعها كثيرًا، فقالت لي أمي "لا تقل هذا فهمت" قلت "لماذا" قالت "فقط لا تقل" فامتنعت عن التلفظ بهذا اللفظ، ولكن في نفس الليلةِ وفي المنام رأيت نفسي في قاعةٍ كبيرةٍ في وسط القاعة خمسة أشخاصٍ يجلسون بشكل نصف دائرة، تقدمت ووقفت في وسطهم وهم يحدقون بي بنظرة المعاتب، وأكثرهم عتابًا الذي يتوسطهم كان ينظر إليّ عابسًا محمرّ العينين، معاتبًا ولكنني لم أفهم لماذا يعاتبني؟ إنه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، هذا ما وقع في قلبي وأنا هذا الطفل الذي لا يعلم كوعه من بوعه، وعن يمينه أبو بكرٍ وعثمان رضي الله عنهما، وعن يساره عمر وعليّ رضي الله عنهما، إستيقظت في اليوم الثاني، فأخبرت أمي وأنا فرحٌ فرحًا عظيمًا فلم أجد أي تعبيرٍ يدل على أن لهذه الرؤية خصوصية، ماذا أفعل فليس في العائلة أحدٌ قد تعلم علم الدين، الجهل ضاربٌ أطنابه فينا، والفسادُ متأصلٌ ومنتشرٌ في أجنابنا.
ثم بعد ذلك بقليل عدنا إلى بيروت أي بعد انتهاء الحرب الطاحنة المعروفة بحرب السنتين...
ثم هذا الشاب قال لي لم لا تحضر دروس الشيخ عبد الله الهرري؟ قلت: من هو هذا الشيخ؟ قال: يسكن هنا بالقرب من منزلك، قلت: أحضر.. فتواعدنا وذهبنا.. فعلاً هو قريبٌ من منزل أهلي، إنما بيننا بضعة أمتار، صعدت معه إلى هذا المنزل الكائن على الطابق الأول فدخلنا وإذا بالمنزل مملوءٌ بالشباب والرجال، فجلت بنظري في أركان هذا المكان فرأيت شيخًا قد علا وجهه المهابة، وبان من محيّاه الانكسار، جالسًا على الأرض بكل تواضع، يتكلم بحلو الكلام من أحاديث خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، فتعلق قلبي به، فلازمت الحضور...
وفي يوم من الأيام ذكر الشيخ تلك الكلمة القبيحة التي كان بعض أهل سكان القرى الحدودية بين لبنان وسوريا يقولونها وحذّر منها أشد تحذير فاغرورقت عيناي بالدموع وسالت القطرات على وجنتيا إذ تذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت لماذا كان عابسًا ومعاتبًا عندما رأيته في المنام، فشددت العزم وشمّرت عن الساعد بالتعلم تارةً وبالتعليم أخرى، ومضت السنوات وطالت وعلا الشيب مفرقي، وكثر في لحيتي، والشيخ هو الشيخ يترقى في مقامات التقوى وأنا أنهل من هذا المعين الصافي إلى أن مات رحمه الله تعالى...
أيها الأحبة... لماذا بعدما ذكرت أحب شيخي الهرري؟؟؟
فالحمد لك يا ربي كل الحمد أن اخترت للشيخ سكنى بيروت، الحمد لك يا ربي كل الحمد أن جمعتني به وجعلتني من تلاميذه قبل أن أموت، أيها الهرري المقدام لن أنساك أبدًا على الدوام، أنت شيخي وحبيبي وقرة عيني يا إمام، سنلتقي يا سيدي مهما طالت الأعوام.. الإمضاء : تلميذك المحب الذي لن ينساك.
تاريخ الإضافة : | 23/8/2011 |
الزيارات : | 5989 |
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
الكاتب : | SunnaOnline | سنة اون لاين |
القسم : | مقالات في فضائل الهرري |
التعليقات على الماده