SunnaOnline | سنة اون لاين المقالات مختارات من دروس الهرري صفة الأولياء
صفة الأولياء
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسنُ صلواتُ اللهِ البرِّ الرَّحيمِ والملائكةِ المقربينَ على نبيِّنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فقد روينا بالإسنادِ المتصلِ الصحيحِ في كتابِ المستدركِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ [إنَّ اللهَ يُحِبُّ الأتقياءَ الأخفياءَ الذينَ إذا غابوا لم يُفتَقَدوا وإذا حَضَرُوا لم يُعْرَفُوا قلوبُهم مصابيحُ الهدى يَخرجونَ من كلِّ غبراءَ مُظلمةٍ]. هذا الحديثُ فيه بيانُ صفةِ الأولياءِ، وفيهِ بيانُ أنَّ أكثرَهم لا يُعرفونَ لا يُميزونَ فيما بينَ الناسِ، ثم الرسولُ عليه السلامُ وصفَهم بهذه الصفاتِ وهي أنهم أخفياءُ أي لا يعرفونَ بما هم عليهِ من علوِّ الدرجةِ عندَ اللهِ، وذلك لأنَّهم يُخفونَ أعمالَهم الصالحةَ التي يعملونَها زُلفى وقربةً إلى اللهِ خوفًا من أن يُفتنوا لأنَّ الأولياءَ يَخافونَ على أنفسِهم، يتهمونَ أنفسَهم بالرياءِ ولو لم يكن فيهم رياءٌ، لكن من شدةِ الخوفِ وشدةِ مراقبةِ النفسِ يخافونَ أنه دخلَ عليهم رياءٌ، ويخافونَ أيضًا من أن يدخلَهم العجبُ إذا عرفوا بينَ الناسِ بما فيهم من الأعمالِ الحميدةِ. ووصفَهم رسولُ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ أيضًا بأنَّهم إذا حضروا لم يُعرفوا إما لرثاثةِ هيأتِهم، أي مظهرُهم من حيث اللباسُ غيرُ معجبٍ فقد كان أويسُ بنُ عامرٍ القرنيُّ رضيَ اللهُ عنهُ الذي شَهِدَ لهُ الرسولُ بأنَّهُ أفضلُ التابعينَ وكان رضيَ اللهُ عنه لم يشهدْ مجلسَ رسولِ اللهِ لأنهُ كان باليمنِ، ما تمكَّنَ من أن يأتيَ إلى المدينةِ ليلقى الرسولَ، ثم جاءَ بعدَ أن توفيَ الرسولُ إلى المدينةِ، وكانَ سيدُنا عمرُ حَفِظَ من رسولِ اللهِ حديثًا في شأنِ أويسِ بنِ عامرٍ، قالَ لهُ ولمن كان معَهُ في ذلكَ المجلسِ [إنَّ خيرَ التابعينَ رجلٌ يقالُ لهُ أويسُ بنُ عامرٍ من مرادٍ ثم من قَرَنٍ]، إلى أن قالَ [فإذا لقِيتُموهُ فمُروهُ فَلْيَسْتغفِر لكم] وفي هذا تعليمٌ لأمتهِ وحضٌّ وحثٌ أكيدٌ للتواضعِ لأنَّ سيدَنا عمرَ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى لهُ من المنزلةِ ما يزيدُ على منزلةِ أويسِ بنِ عامرٍ ءالافَ المراتِ، مع ذلك قالَ لهُ: إذا لقيتُم أويسَ بنَ عامرٍ فاطلبوا منه الاستغفارَ، أن يستغفرَ اللهَ لكم ، هذا شأنُ المؤمنِ أنَّهُ يكون متواضعًا ويُحسنُ الظنَّ بالمسلمِ، يقولُ إذا رأى مسلمًا: لعل هذا عندَ اللهِ أفضلُ مني، إلى أن يظهرَ له فيه ما يؤكدُ حُسنَ ظنِّهِ به أو ما يؤكدُ خلافَ ذلكَ، فإن وجدَ منه ما يؤُكدُ حسنَ ظنِّهِ زادَ تحسينَ ظنٍّ بِه و إلا أنزلَهُ في منزلتِه التي يستحقُّها.
ثم قسمٌ من الأولياءِ ، اللهُ أعطاهم حظًّا من الشهرةِ، شُهِرُوا بينَ الناسِ بالولايةِ فعرفَهُم القريبُ والبعيدُ فَكَثُرَ الانتفاعُ بهم، وذلكَ كسيدِنا الجنيدِ بنِ محمدٍ البغداديِّ شيخِ الصوفيةِ، الصوفيةُ يعتبرونَهُ مقدمًا بالتصوفِ، وكان رضيَ اللهُ عنهُ من أهلِ القرنِ الثالثِ الهجريِّ، تُوفيَ رضيَ اللهُ عنهُ في أوائلِ القرنِ الرابعِ، ثم أيضًا الشيخُ عبدُ القادرِ الجيلانيُّ الحنبليُّ والشيخُ أحمدُ الرفاعيُّ الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنهما، فنالَ هذانِ من بينِ أولياءِ اللهِ شهرةً كبيرةً فكَثُرَ الانتفاعُ بهما كما كَثُرَ الانتفاعُ بالجنيدِ رضيَ اللهُ عنهُ، فالتصوفُ الحقيقيُّ كان في الصدرِ الأولِ في عصرِ الصحابةِ، الخلفاءُ الأربعةُ كانوا صوفيةً ، لأن معنى الصوفيِّ من كان عاملًا بشريعةِ اللهِ تباركَ وتعالى وخالفَ هواهُ، من لا يتِبعُ نفسَهُ الهوى في المأكلِ والمشربِ والملبسِ وغيرِ ذلكَ، يقتصرُ على القدرِ الذي يحفظُ صحةَ جسدِهِ من المأكلِ والمشربِ والملبسِ ونحوِ ذلكَ مع بذلِ الجهدِ في عبادةِ اللهِ تباركَ وتعالى في أداءِ الفرائضِ والإكثارِ من النوافلِ، هذا معنى الصوفيِّ وهذا كان حالُ أكابرِ الصحابةِ الخلفاءِ الأربعةِ ومن سواهم، لذلك ألَّفَ الحافظُ أبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ أحدُ المشاهيرِ بينَ المحدثينَ أصحابِ التأليفِ، كتابَهُ حليةَ الأولياءِ فبدأَ بصوفيةِ الصحابةِ ثم أتبعَهم بصوفيةِ التابعينَ ثم أتبعَهم بصوفيةِ أتباعِ التابعينَ إلى صوفيةِ القرنِ الرابعِ الهجريِّ، وكان هو أي أبو نُعيمٍ تُوفيَ بعد انتهاءِ القرنِ الرابعِ ترجَّمَ الصوفيةَ الذينَ هم من الصدرِ الأولِ والذين تَبِعُوهم في القرونِ التي بعدَهم وذكرَ أنَّ أُناسًا تظاهروا بمظهرِ الصوفيةِ وليسوا منهم،، بل قالَ إنَّ منهم من هم من أهلِ عقيدةِ الحلولِ وذلكَ كما ذكرَ أبو نُعيمٍ، ليسَ كلُّ من انتسبَ إلى التصوفِ في القديمِ والحديثِ ذلكَ الصوفيَّ الذي هو من خيارِ عبادِ اللهِ، ثم وجودُ هؤلاءِ الذينَ هم غيرُ متحققينَ بالتصوفِ إنما يتشبهونَ بالصوفيةِ لمآربَ في أنفسِهم، وجودُ هؤلاءِ فيما بينَهم لا يَنقُصُ من مرتبةِ أولئكَ الصادقينَ المتحققينَ في التصوفِ، فحالُ الصوفيةِ في ذلكَ كحالِ العلماءِ، ليسَ كلُّ واحدٍ منهم تقيًّا بل منهم أتقياءُ ومنهم غيرُ أتقياءُ، أما اسمُ الصوفيِّ فلم يكن في الصدرِ الأولِ، لكن المعنى كان موجودًا بل كانَ قبلَ ذلك موجودًا، سيدُنا عيسى عليهِ السلامُ تواترَ أنَّهُ كان بعيداً من التنعمِ إلى حدٍّ كبيرٍ، عُرِفَ بأنَّهُ كانَ يأكلُ الشجرَ ويلبسُ الشعرَ ولم يتخِذْ مسكنًا بل كان يبيتُ حيثُ يدركُه المساءُ إما في مسجدٍ أو في مكانٍ غيرِ ذلكَ، الزهدُ في الدنيا هذه شيمةُ الصوفيةِ المتحققينَ لأنَّ الأنبياءَ كانوا هكذا، التنعمُ حلالٌ إن كانَ بالمالِ الحلالِ ليس حرامًا، لكن تركُه أفضل. هكذا كان الأنبياء ثم تبعهم الأولياء على ذلكَ، ثم ثبتَ عن عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ [اخْشَوشِنُوا وتَمَعْدَدُوا]. معنى "اخشوشنوا" الزَمُوا خشونةَ العيشِ أي لا تتنعموا، هذا معنى اخشوشنوا، وأما قوله "وتمعددوا" فهو التشبهُ بمعدِّ بنِ عدنانَ أحدِ أجدادِ الرسولِ، كانَ من أجدادِ رسولِ اللهِ الذين كانوا على الإسلامِ وكان ذا شهامةٍ وملازمةٍ لخشونةِ العيشِ. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات على الماده