إنَّ مسائل التَّكفير شأن خطير وأنتَ لو نشرتَ مسألة في حُكم (مَن قال كلمة ما فإنَّه يكفُر) وكان القارئ يفهم مِن الكلمة غير ما مُؤدَّاه الكُفر ومع ذلك اعتقد الحُكم بالتَّكفير فقد أدخلتَ إليه الضَّرر العظيم.
اُنشُر العلم وانشُر الخير ولكن بحيث لا تُدخل ضررًا على أحد وبحيث لا تُنفِّر أحدًا مِن تعلُّم علم الدِّين عند أهل السُّنَّة والجماعة ولك في العُلماء أسوة حسنة وهُم لم يفتحوا مجالس مُخصَّصة لمثل ذلك. ثُمَّ يُوجد قُيود قد تمنع الكُفر عن قائل عبارة ما؛ فلا ينطبق عليه الحُكم كما ينطبق على غيره؛ وليس بين القارئ وبين فيسبوك عارف ثقة يشرح له ويحكُم بوجود القيد مِن عدمه فكونوا أذكياء في طلب العلم.
حُكم مَن يقول؛ باب واسع لا تحكُم فيه اللُّغة وحدها وإنَّما فَهْمُ المُتلفِّظ بالكلمة كذلك فلو كانت العبارة صريحة في الكُفر ولم يفهم المُتلفِّظ لها معنًى كُفريًّا لا نحكُم عليه بالكُفر وليس كُلُّ أحد مِن النَّاس ذا ذهن قوي. ثُمَّ قد يدخُل في الاعتبار كونُه حديث عهد بإسلام ونحوه أو لا؛ ويدخُل غيره في الاعتبار قبل الحُكم بتكفير المُتلفِّظ بعبارة -هذا لو كانت صريحة في الكُفر- فما بالك بكثير مِن العبارات مُحتمِلة للتَّأويل.
والخُلاصة أنَّ تعلُّم علم الدِّين لا يكون بالاقتصار على مسائل حُكم مَن يقول ولا على مسائل جوابُها كَفَر أو لم يكفُر؛ بل وكثير مِن هذه المسائل يحتاج المُفتي فيها أنْ يسأل وأنْ يستوضح أشياء وأشياء. ولذلك فإنَّنا نُشجِّع على تلقِّي القواعد الَّتي تُساعد على معرفة حُكم مَن يقول ولا سيَّما كتاب [جَلَاءُ الفَوَائِدِ مِن ثَنَايَا القَوَاعِدِ] للشَّيخ سمير القاضي حفظه الله وفيه شرح لكتاب [قَوَاعِد مُهِمَّة] لإمامنا الهرريِّ رحمه الله.
إلى المُتسرِّع بالحُكم فيما يُقال أو لا
والتَّحذير مِن المُتعولم الَّذي يدَّعي امتلاك بُحور العلم
الحمدلله وصلى الله وسلم على رسول الله. وبعد فاتَّقِ اللهَ أيُّها المُتسرِّع بالحُكم فيما يُقال أو لا؛ لأنَّ الفتوى بغير علم: ذنب كبير يجب التَّوبة على مَن وقع به؛ والأمر في التَّكفير أشدُّ خطرًا لأنَّ إطلاق حُكم التَّكفير لا يجوز لغير العالِم الَّذي اكتملَت فيه آلة الاجتهاد، وليس لنا نحن العامَّة إلَّا النَّقل، على أنَّ النَّقل له مواضعُه وله أهلُه. ثُمَّ إنَّ التَّسرع في الحُكم فيما يُقال أو لا؛ له عواقبُ ثلاثة: عليك؛ وعلى إخوانك؛ وعلى دعوتك.
- فأمَّا عليك؛ فقد ورد في الحديث: <مَن أفتى بغير علم لعنته ملائكة السَّماء والأرض> وورد في الحديث كذلك: <مَن أفتى بغير علم فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين> انتهى.
- وأمَّا على إخوانك؛ فإنَّك لو كُنتَ عندهم محلَّ ثقة ونقلتَ لهم الخطأ فأخذوا به منك فإنَّ هذا يتسبَّب بشُيوع المعلومات المغلوطة فيمَن هُم حولك وفي مُجتمعك؛ في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى مَن يُصلح ما أفسد النَّاس؛ فكُن أخي عند حُسن ظنِّ إخوانك وأحبابك بك ولا تتسرَّع بالفتوى.
- وأمَّا على دعوتك؛ فإنَّك لو تسرَّعت في الحُكم بما يُقال أو لا؛ تكون تقوَّلت على مشايخك ما لم يقولوا به فيزدريهم النَّاس ويبتعدوا عنهُم؛ وتكون قد فتحت الأبواب للجَهَلَة المُتعولمة المُتصولحة -كأهل الفتنة- ليتصدَّروا الكلام في الدِّين عند العامَّة وليأخذوا المشايخ بما لم يُخطئوا فيه. وقد حصل بالفعل منذ يومَين أنِ انبرى واحد مِن أهل الفتنة مِن أجهل خلق الله -في كُلِّ علم كونيٍّ وشرعيٍّ- وصار يُنكر على المشايخ ما لم يقولوا به حتَّى يُشوِّش على النَّاس وحتَّى يخدعَهم ليتوصَّل بذلك إلى تنفير النَّاس مِن الجلوس إلى عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة والعياذ بالله تعالى. وقد لجأ المفتون إلى (غوغل) لِيُموِّه على البُسطاء بادِّعاء امتلاك بحور الأدلَّة! أصاب في كلمة وغفل عن أُخرى؛ أصاب في أنَّ الإضافة لا تكون للتَّشريف دائمًا (وقد أخذ هذا عنَّا)؛ وغفل عن الأُخرى فلم يعرف تسميتها وهي (إضافة الخلق) أي الإضافة الَّتي تُفيد كون الشَّيء مخلوقًا لله.
فبرِّئ مشايخك ممَّا لم يقولوا به ولا تنسب لهُم الشَّيء بناء على الوهم والخلط فإنَّ أهل الفتنة يفرحون بذلك، وإذَا قال لك شيخك "لا ندخل في أمر" فلا تتكلَّم أنت حيث سكت هُو ولا تكن قليل الفهم فتظنَّ أنَّه حرَّمه لمُجرَّد أنَّه سكت فإنَّ بين الأمرَين فرق كبير لمَن علم أنَّه ليس مِن أهل القياس. بعض المُتسرِّعين لعلَّه يقول في نفسه: (أنا أحكُم بالكُفر في مسألة لأنَّه لم يظهر لي غير ذلك) وهُو أقلُّ علمًا مِن أنْ يتبيَّن الوُجوه بل ولا يضبط قواعد التَّكفير فضلًا عن قواعد العربيَّة؛ فليقعُد عن المبادرة إلى الكلام وليسكُت حتَّى يكون عنده نقل وليكُن أمينًا في نقل ما يتلقَّاه ضابطًا له بحروفه. وبعضهم لعلَّه يقول في نفسه: (أرُدُّ أو أقبلُ المسألة لأنَّني لم أرَ فيها إلَّا ما يدُلُّ على وُجوب ردِّها أو قبولها)؛ فمَن الَّذي أصرَّ عليه ليُبدي لنا رأيه وليُخبرنا بما يرى أو لا يرى وما محلُّ رأيه مِن الاعتبار أساسًا! فليته يكفي نفسه ويكفينا تعبيره عن رأيه في هذه المسألة أو تلك.. حتَّى يتعلَّم. وأنصحُكم إخواني بعدم الخوض في النَّهي عن شيء ما لم يكن عندكم في ذلك علم أخذتموه عن العارف الثقة العدل الضَّابط. ومَن رأيتُمُوه يضع على فيسبوك مسائل (يكفُر ولا يكفُر) ويُكثر منها فاضربوا بحسابه عرض الحائط ولا تلفتوا إليه فإنَّه لو أصاب مرَّة وأخطأ مرَّة فهذا ضرر عظيم عظيم. انتهى
|