www.sunnaonline.org

قصة الشيخ والبساطين

إنّ الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيّدنا وقرة أعيننا محمّدا عبده ورسوله صلى الله وسلّم عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد، فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله. يقول الله عز وجل في القرءان العظيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. [سورة الحشر /18] ويقول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم [أكيس الناس أكثرهم استعدادًا للموت].

أعقل الناس من كان يستعد لِما ينفعه بعد الموت لأن الدنيا دار مرور والآخرة هي دار القرار الذي لا نهاية له، فالناس فيها على ثلاثة أصناف: صنف مؤمن تقي وصنف أدركته الوفاة وهو يرتكب كبائر الذنوب قبل أن يتوب منها وصنف كفار. فالصنفان الأولان مستقرهما الدائم الجنة وان كان أحدهما يعني من مات وقد عمل من كبائر الذنوب من غير أن يتوب منها أدركته الوفاة قد يعذب قبل ذلك في النار.

أما الفريق الأول من هذين هم الذين قال الله فيهم {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. [سورة يونس/62] هؤلاء الأولياء لهم شأن عظيم عند الله تعالى، شأنهم عظيم في الدنيا وفي الآخرة. والقرءان أثبت الكرامات للأولياء في قول الله تعالى في صفة مريم عليها السلام {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. [سورة ءال عِمران /37 ]

واسمعوا معي هذه القصة التي تقشعر لها الأبدان قصة ولي شيخ صالح من الأكابر الذي دخل على تاجر في الاسكندرية فرحب به التاجر وفرح به، فرأى الشيخ الولي في إيوان يجلس فيه التاجر بساطين مثمنين مستعملين من بلاد الروم على قدر الإيوان، فطلبهما من التاجر فصعب عليه ذلك، صعب على التاجر أن يعطي الشيخ الولي البساطين وقال له: أعطيك ثمنهما يعني أعطيك مالا بقدر ثمنهما، فامتنع الشيخ الولي الصالح لأنه لا يريد المال، لا يريدهما لأجل المال وقال له ما أطلب إلا هما بعينهما فقال له التاجر إن كان لا بد من الأخذ فخذ أحدهما، فأخذ الشيخ الولي أحد البساطين وخرج به.

وهنا اسمعوا جيدا اخوة الإيمان لمـَّا أصر هذا الصالح على البساطين كان للتاجر ابنان مسافران في بلاد الهند كل واحد منهما في مركب في البحر، بعد مدة سمع أبوهما أنَّ أحدهما غرق هو ومركبه وجميع من كان فيه ووصل الابن الآخر إلى عدن سالِما كان بعد مدة وصل قريب الإسكندرية، فخرج أبوه التاجر في لقائه إلى ظاهر البلد، فرأى البساط بعينه الذي أخذه الشيخ منه، الذي أصر الشيخ على أخذه بعينه، رآه محملاً على بعض الجمال. فسأله عن قصة البساط، سأل ابنه عن قصة البساط، من أين حصل عليه؟ فأجاب ابنه قائلا: لهذا البساط قصة عجيبة وءاية عظيمة. فقال له أبوه يا بني اخبرني بذلك. فقال له سافرت أنا وأخي بريح طيبة من بلاد الهند كل منا في مركب فلما توسطنا البحر عصفت علينا الريح واشتد علينا الأمر وانفتح المركبان أي خرق المركبان ودخل فيهما الماء.

واشتغل كل أهل مركب بمركبهم وسلم كل منا أمره إلى الله تعالى. وإذا بشيخ صالح قد ظهر لنا وفي يده هذا البساط بعينه فسد به مركبنا وسرنا بالسلامة أياما والمركب مسدود بهذا البساط إلى أن وصلنا بعض المراسي ، فنقلنا ما كان في المركب وأصلحناه وشحنا فيه، وأما مركب أخي فغرق جميع من كان فيه ولم يسلم منهم أحد حتى أخي. قال التاجر الذي سلّم الشيخ بساطا واحدا فقط يا بني أتعرف الشيخ لو رأيته؟ قال نعم فذهب به إلى الشيخ فلما رآه صرخ وصاح صياحا عظيما وقال: هو ذا والله يا أبت هو ذا والله يا أبت.

فجعل الشيخ يده عليه حتى أفاق وسكن ما به فقال التاجر للشيخ لِم لا عرفتني يا سيدي بحقيقة الأمر حتى أدفع إليك البساطين كليهما ؟ فقال الشيخ هكذا أراد الله عز وجل، هكذا شاء الله عز وجل ، فالله فعّال لِما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

فبالله عليك لو أنّ هذا الشيخ فعل هذا معك أنقذك من عرض البحر ببساط سد ثغر سفينتك به كيف يكون حالك معه، فكيف بالذي بلطف الله تبارك وتعالى أركبك في عرض البحر في سفينة النجاة ؟ فكيف بالذي بلطف الله تعالى علمك ما هو أغلى من سفن الدنيا وما تحمله. سفن الدنيا من الأموال والذهب، كيف ينبغي أن تكون أحوالنا معه من الأدب والتواضع والعمل لله تعالى على نشر العلوم النافعة التي يعلمها لأن هذا الذي يُفرح قلبه ويثلج صدره لأنه يطلب الآخرة وليس الدنيا. اللهم انفعنا باوليائك الصالحين، اللهم وارزقنا صحبتهم يا رب العالمين يا الله.

الخُطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ. عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ القائل في كتابه العظيم {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} سورة هود/ 107، الله فعّال لما يريد ، قادر على تكوين ما سبقت به إرادته، لا يعجزه عن ذلك شىء ولا يمانعه أحد ولا يحتاج إلى استعانة بغيره ، فبعد هذا البيان العظيم نحذّركم اليوم من كلام بشع شنيع يتكلّم به بعض الناس ألا وهو قول "لا بيرحم ولا بيخلي رحمة ربّنا تنـزل" والعياذ بالله تعالى.

الله تعالى قادر على كلّ شىء، قادر على تكوين ما سبقت به إرادته لا يعجزه عن ذلك شىء. فمن قال
"لا بيرحم ولا بيخلي رحمة ربّنا تنـزل" نسب العجز إلى الله لذلك هو خارج عن دين الله بهذه الكلمة الفاسدة هذا إن فهم منها هذا المعنى الفاسد وأما من لم يفهم منها ذلك المعنى الفاسد وإنما فهم منها أنّ هذا الإنسان من شدّة فساد حاله يكون سببًا في عدم نزول الرحمة الخاصة عليه وأنّه يكون من أسباب نزول البلاء فلا يكفر ولكن يقال له : هذه الكلمة فاسدة لا يجوز قولها . إخوة الإيمان من الناس من يعيش عمره وهو على كفرية واحدة وهو يظنّ بنفسه أنه من خيرة المسلمين، فالحذر الحذر من ترداد أيّ عبارة نسمعها غير موافقة لدين الله تعالى ، فمن الناس من يورّط نفسه في الكفر والعياذ بالله لأنّه يردّد بعض العبارات التي يسمعها من التلفزيون مثلاً ، لذلك تذكّر أخي المسلم قول الله تعالى إخبارًا عن الكافر {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} سورة الأعلى / 13، أي لا يموت الكافر في نار جهنّم ولا يحيى حياة طيّبة هنيئة . والرجوع إلى الإسلام إخوة الإيمان بالشهادتين بقول أشهد أن لا إلـه إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله .

اللهمّ أمتنا على كلمة التوحيد يا ربّ العالمين ، واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا} اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}.

اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاة .


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : قـــصص ومـــواعــظ
الزيارات : 6641
التاريخ : 13/6/2011