www.sunnaonline.org

أبو بكر بن عربي

ترجمته

الشيخ الأكبر محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي. ومحيي الدين لقب له بناءً على ما درج في عصره من تلك الألقاب كضياء الدين وغيره، والطائي نسبة إلى قبيلة طيء وهي قبيلة عربية مشهورة منها حاتم الطائي المشهور بالكرم، وعليه فالشيخ ابن عربي على هذا هو عربي الأرومة واضح النسب سليل عروبة، وقد أطلق عليه تسمية الشيخ الأكبر لما امتاز به من سعة العلوم وكثرة المعرفة في شتى مجالات العلم حتى صار علمًا تشد إليه الرحال ويقصد للاستفادة منه.

ولد الشيخ ابن عربي سنة خمسمائة وستين للهجرة في مرسيه من بلاد الأندلس ومن ثم انتقل إلى إشبيلية من بلاد الأندلس أيضًا وتنقل بعد ذلك بين البلاد فزار المغرب وكتب فيها الإنشاء لبعض الأمراء ثم إلى مصر. ومن ثم قام برحلة فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز فنشأ على الرحلة والتنقل بين البلاد مسافرًا في طلب العلم والاجتماع بالأكابر من أئمة زمانه وعلماء عصره، ما أكسبه مكانة علمية مرموقة وخبرة عظيمة، وكان في أثناء زيارته لمصر عمل بعضهم على إراقة دمه فحبس مدة ثم خرج بعد ذلك ناجيًا بمساعدة علي ابن فتح البجائي، ومن ثم استقر أخيرًا في بلاد الشام وفي دمشق تحديدًا حتى وافاه الأجل.


مناقبه

لا نبالغ لو قلنا إن الشيخ الأكبر ابن عربي رحمه الله من كبار أئمة عصره علمًا وفقهًا وتصوفًا وتأليفًا على تعدد أغراض ومجالات العلم، زار الحجاز وسمع بمكة من زاهر بن رستم ومر في أثناء رحلته ببغداد ثم استقر في دمشق وسمع فيها من ابن الحرستاني، وكان سمع في موطنه قبلاً من ابن بشكوال وابن صاف وكان مع ذلك ذكيًا مفرط الذكاء جليلاً كثير العلم واسع المعرفة، وصفه الذهبي في السير في بداية ترجمته فقال ما نصه: «العلامة صاحب التآليف الكثيرة أبو بكر محمد بن علي ...».

وقد وصفه المستشرق بروكلمان بأنه مؤلف من أخصب المؤلفين عقلاً وأوسعهم خيالاً، وذكر له نحوًا من مائة وخمسين مصنفًا لا تزال باقية ما بين مخطوط ومطبوع. ومهما يكن من التضارب بين الكُتّاب في عدد مؤلفات ابن عربي وأحجامها فليس هناك شك في أن هذا الرجل كان من أغزر الكُتّاب المسلمين علمًا وأوسعهم أفقًا، وكان مع ذلك زاهدًا متفردًا متعبدًا موحدًا لزم التصوف طوال حياته فلم يخض في الفلسفة والرياضة ومشاكل الفلاسفة، فألف وأجاد وتأثر به وبكتاباته أهل التصوف، إلا أن كتبه تلك والتي من أشهرها «الفتوحات المكية» و«فصوص الحكم» لم تخلُ من الدس، بل حُشِيَت بالكثير مما يبرأ منه الشيخ ابن عربي على جلالة قدره وعلو شأنه، فنسأل الله الثبات على الحق وحسن الحال.

تبرئة ابن عربي مما ينسب إليه

اعلم أن الشيخ ابن عربي مبرأ مما ينسب إليه من الشطحات والطامات والقول بالوحدة المطلقة وإن ادعى بعض أنه إمام هذا المذهب، بل إننا ننفي عنه ذلك لأن ما تجده من الدس في كتب ابن عربي مما فيه من الضلال، تجد معه أيضًا وفي نفس المؤلف المنسوب إليه كلامًا واضحًا وصريحًا في التنزيه وبيان أن الله واحد لا يحل في شىء كما يلاحظ ذلك بوضوح في «فصوص الحِكَم» فإنك تجد فيه من التناقضات ما يذهل العقل، فقد تجد في موضع كلامًا كفريًا، ثم تجد في مبحث ءاخر أقوالًا خالصة في التنزيه والتوحيد حتى يروى عنه أنه قال «من قال بالحلول فدينه معلول» وعليه يبعد بعد هذا أن يكون من أهل مذهب الوحدة المطلقة الذين يقولون بوحدة الوجـود لأن من أبشع الكفر اعتقاد حلول الله في العالم، وهذا معنى القول بوحدة الوجود الذي لا يصح نسبته لابن عربي وإن نسب بعض المؤلفين ذلك إليه أو غير هذا المذهب من شطحات كما يذكر الذهبي في سيره ثم يقول: «قلت إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت فقد فاز وما ذلك على الله بعزيز» وهذا الكلام من الذهبي لا يعتد له في إثبات ما نسب إلى ابن عربي حتى في كتاب «فصوص الحِكَم» الذي يقول الذهبي فيه «ولا ريب أن كثيرًا من عباراته له تأويل إلا كتاب فصوص الحكم» ا.هـ. وردُّنا على ذلك أن جميع ما ينسب إلى الشيخ من ضلالات مهلكات إنما دس عليه وذلك لأمرين: أحدهما أن الشعراني قال إنه اطلع على النسخة الأصلية فوجدها خالية من هذه الكفريات وأن صاحب «المعروضات المزبورة» أحد الفقهاء المشهورين في أهل المذهب الحنفي قال: «تيقنا أن اليهود دسوا عليه في «فصوص الحكم»، والسبب الثاني أن الحافظ ابن حجر قال في «لسان الميزان» في ترجمة ابن عربي اعتدَّ به حفاظ عصره كابن النجار وابن الدُّبيثي ويؤيد ذلك أن في «الفتوحات المكية» عبارات صريحة في إبطال القول بعقيدة الحلول والاتحاد وفيه إثبات التنزيه الصريح لله عز وجل».

وعليه فقد ذكر الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي أيضًا في كتاب «الفتاوى الحديثية» عند مطلب في الكلام عن ابن عربي ما يُثبت أن اليهود دسوا عليه بالفعل فقال ابن حجر «دس عليه من سينتقم الله منه» وعليه أخي المسلم إذا عرفت هذا المستند في تبرئة ابن عربي فالزمه ودع طرق الغي وإياك والخوض في لجج بحر مهلك.

جملةٌ من مصنفاته

لما كان الشيخ ابن عربي قد نال درجة عالية في العلم والتبحر فيه، كان من البديهي أن ينعكس ذلك على حياته فأفاض بكثير من المؤلفات التي قيل إنها رَبَتْ على أربعمائة كتاب ورسالة كما ذكر صاحب الأعلام، نذكر منها مثلاً : «القطب» و«النقباء» و«مراتب العلم الموهوب» و«كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدب» و«الفتوحات المكية» و«فصوص الحكم في التصوف» و«فتح الذخائر». وفي الشعر له ديوان مطبوع، ولكننا ننبه إلى أنه قد دخل إلى أكثر كتبه الكذب والدس، ونظرًا كذلك لعلو أسلوبه في الكتابة بما لا تستوعبه عقول العامة، ننصح بتجنب تلك الكتب لمن لا يميز بين الغث والسمين ولم يتلقَ كثيرًا في علم العقيدة.

وفاته


ولم يزل الشيخ ابن عربي يؤلف ويحرر ويدون دون ملل حتى أواخر أيامه حيث بلغ الثمانين، فجاءته المنية في دمشق في بيت ابن الذكي حيث كان يحيط به أهله وأتباعه من المشايخ الصوفية وذلك ليلة الجمعة في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة من الهجرة وقام بتغسيله ابن الذكي، ومن ثم حمله مع اثنين من مريديه هما ابن عبد الخالق وابن النحاس إلى خارج دمشق حيث دفنوه في الصالحية شمالي المدينة بسفح قاسيون ضمن مقبرة خاصة بأسرة ابن الذكي وقتها وما زال قبره حتى اليوم مزارًا للناس.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : ســـــير وتــــــراجم
الزيارات : 3672
التاريخ : 12/2/2011