www.sunnaonline.org

الحسن البصري

ترجمته

هو الإمام العظيم والسيد الكريم المجتهد الحافظ أحد السادات التابعين الحَسَنُ بنُ يَسَارٍ العَوْفِيِّ أَبُو سَعِيْدٍ، والده يسَار مِنْ سَبْيِ مَيْسَانَ وهي كورة واسعة عظيمة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط من أرض العراق، سكن المدينة المنورة وكان مملوكًا فأُعْتِقَ وَتَزَوَّجَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَوُلِدَ لَهُ الحَسَنُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ.

أُمه: خَيْرَةُ، مَوْلاَةٌ لأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ المَخْزُوْمِيَّةِ زوج الرسول صلى الله عليه وسلم. كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ربما تَبْعَثُ أُمَّ الحَسَنِ فِي الحَاجَةِ، فَيَبْكِي وَهُوَ طِفْلٌ، فَتُسْكِتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِثَدْيِهَا، وَتُخْرِجُهُ إِلَى أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَكَانُوا يَدْعُوْنَ لَهُ، فَأَخْرَجَتْهُ مرة إِلَى عُمَرَ، فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ، وَحَبِّبْهُ إِلَى النَّاسِ.

نَشَأَ الحَسَنُ بِوَادِي القُرَى، وتجدر الإشارة إلى أنه لما ولد قد حنكه بالتمر سيدنا عمر. وَحَضَرَ الجُمُعَةَ مَعَ عُثْمَانَ، وَسَمِعَهُ يَخْطُبُ، وَلَهُ من العمر يوم وفاة سيدنا عثمان أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وعلى هذا يكون عام مولد الحسن سنة إحدى وعشرين من الهجرة المباركة.

ذكر شىء من صفته

كان الإمام الحسن رضي الله عنه عظيمًا مبجلًا جليلًا كبير القدر جليل الشأن ذا وسامة فائقة، حسن الصورة جميل الوجه حتى قيل إنه أجمل أهل البصرة في زمانه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ جَامِعاً، عَالِماً، رَفِيْعاً، فَقِيْهاً، ثِقَةً، حُجَّةً، مَأْمُوْناً، عَابِداً، نَاسِكاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، فَصِيْحاً، جَمِيْلاً، وَسِيْماً. كان خاشعًا قانتًا زاهدًا تقيًا ورعًا ذا مروءة عجيبة وشهامة واسعة، وعلى جانب كبير من الخلق الحسن فكان شكله حسنًا وخلقه حسنًا وعلمه حسنًا ونهجه حسنًا وهو الحسن. وكانوا يرون أنه أشبه الناس رأيًا بعمر رضي الله عنه.

مناقبه

لقد كان الحسن رضي الله عنه أَشْبَه النَّاسِ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ َإِنْ أَمَرَ بِأَمْرٍ، كَانَ أَعْمَلَ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ، كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، قال خَالِدُ بنُ صَفْوَانَ رَأَيْتُهُ مُسْتَغْنِياً عَنِ النَّاسِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ مُحْتَاجِيْنَ إِلَيْهِ. قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: كَانَ الحَسَنُ يَصُوْمُ: البِيْضَ، وَأَشْهُرَ الحُرُمِ، وَالاثْنَيْنَ، وَالخَمِيْسَ. كان مع ذلك قلما يرى ضاحكًا وقلما ضحك إلا تبسمًا، طويل الحزن كثير البكاء ما شوهد إلا كأنه حديث عهد بمصيبة، يبكي وله نشيج وصوت حتى كأن النار بين عينيه، وقد روي أنه كان مرة في مجلس فطلب الماء فلما جيء له به أغمي عليه مدة ما لبث بعد ذلك أن أفاق منه فسئل عن سبب ذلك فقال رضي الله عنه: تذكرت قول الله عز وجل ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (سورة الكهف/ءاية 29).

أي رجل هذا الذي بلغ به الخوف إلى هذا الحد الكبير فإذا به يغمى عليه خوفًا وخشية إثر ذكر ءاية من كتاب الله، كيف لا وهو الذي قد اشتهر بطول حزنه وكثرة بكائه ووفور عبرته ونشيجِهِ خوفًا من عذاب الله، وقد قيل فيه إنه بقي ثلاثين سنة لم يضحك وأربعين سنة لم يمزح، أجل لقد كان فطنًا يدرك أن الدنيا ليست منتهى الأمر، فاتخذها لجة وصالح عمله سفينة يسير بها إلى مقر الأمان والنجاة، فكان نعم العالم العامل الأواب القوام بالليل والصوام بالنهار، كثير التهجد كثير الصوم. وكان رحمه الله بطلًا مجربًا شديد الجسم مفتول العضلات وله في الواقع رأي ثاقب وبصيرة نافذة وحسن تخطيط وتصرف،كل ذلك مما رفع قدره وعظَّم شأنه عند طوائف الناس وعقلاء الرجال.

اعلم مع ما مر أن الحسن البصري رحمه الله كان مشهورًا بتعهده لنفسه فكان ينظف ثوبه وبدنه ويبالغ في ذلك جدًا، ومن أخبار عنايته بحسن ثيابه
ماحدث به سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ قَبَاءً مِثْلَ الذَّهَبِ يَتَأَلَّقُ. وَقَالَ أيضاً رَأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ طَيْلَسَاناً، كَأَنَّمَا يَجْرِي فِيْهِ المَاءُ، وَخَمِيْصَةً كَأَنَّهَا خَزٌّ. وعَنْ شُعْبَةَ قال: رَأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ. كان رحمه الله يُصفّر لحيته في كل جمعة يغير ما شاب من شعره بالصُّفرة.

ذكر غزارة علمه

أما العلم فقد بلغ فيه الحسن غاية كبرى قلما حظي بمثلها بين الناس؛ فلقد كان إمامًا في كثير من أنواع العلوم من فقه وحديث وتفسير وعلم القرءان واللغة والأدب والتصوف والبلاغة، سيدًا من سادات زمانه شيخًا مبجلاً وَرَوَى عَنْ: الصحابي الجليل عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وغيرهم، وحدث عنه خلق من التابعين منهم ثابت البناني ومالك بن دينار وغيرهم كثير. وقد صحبه قوم للفقه فصاروا فقهاء وصحبه ءاخرون للحديث فصاروا محدثين وصحبه قوم للتصوف والزهد فبلغوا فيه شأناً بعيدًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الحَسَنُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ.
وكان رحمه الله يتكلم بكلام يخرج من جوفه كأنه الدر واللؤلؤ، وإذا حدث أخذ بكلامه القلوب وأثر بمواعظه في أفئدة الرجال وهو مع ما مر على جانب واسع في الخطابة حتى قيل إنه أشهر خطباء عصره في المواعظ والتذكير، ترى في عباراته كلام إنسان عاقل كيس فطن علم وأحاط معرفة بقسط وافر من الدراية والحفظ، فعن الربيع بن أنس قال: اختلفت إلى الحسن عشر سنين فليس من يوم إلا أسمع منه مالم أسمع من قبل، وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَلُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ حَفِظَ وَنَسِيْنَا. كل هذه الشهادات تثبت مقدار ما وصل إليه الرجل من العلم الواسع مما جعله مقصدًا حتى غدا من أساطين العلم وحبرًا من كبار علماء الأمة رضي الله عنه وأرضاه.

وفاته رضي الله عنه

بعد حياة عظيمة أمضاها إمامنا الحسن في العلم والعمل، أدركه الموت الذي لا بد منه مَاتَ الحَسَنُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابنه عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَاهُ عَاشَ نَحْواً مِنْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً، صَلَّوْا عَلَيْهِ عَقِيْبَ الجُمُعَةِ بِالبَصْرَةِ،فَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ. وَيُرْوَى: أَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ إِفَاقَةً، فَقَالَ: لَقَدْ نَبَّهْتُمُوْنِي مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُوْنٍ، وَمَقَامٍ كَرِيْمٍ. رحم الله الإمام الحسن البصري وأعلى مقامه في جنات النعيم إنه سميع الدعاء والحمد لله رب العالمين.


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : ســـــير وتــــــراجم
الزيارات : 3134
التاريخ : 11/2/2011