www.sunnaonline.org

ما حكم من حرم رفع السعر أو قال الغلاء كفر؟

هذه العبارةَ الغلاءُ كُفرٌ يـَحتاجُ الكلامُ فيها إلى تفصيلٍ، الغلاءُ في أصلِ اللغةِ هو مصدَرُ غلا السِّعرُ غلاءً فهو أثرُ فِعلِ الناسِ، لأن الناسَ أحيانًا يرفعونَ السِّعرَ وأحيانًا يَخفِضونَ السِّعرَ، أما فِعلُ المكلَّفِ فهو المغالاةُ في السِّعرِ والثمنِ يُقالُ غالَى بِسِعرِهِ أي طلبَ ثمنًا مُرتفعًا، فهذه العبارةُ مُوهمةٌ ليست مُفَسَّرَةً، فمن أراد بها أن المغلاةَ بِسِعرِ البضاعةِ كُفرُ مِن فاعلِه فهو خلاف الشريعةِ وهو ردٌ للنَّصِ، وذلكَ أمرٌ عظيمٌ فقد ثبتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن ماجه والبيهقيُ وابن حبانَ وغيرُهم من حديث أبي سعيدٍ الخُدري أنه قيل يا رسولَ الله: إن السِّعرَ قد غلا فسَّعِر لنا، فقال "إن الله هو الـمُسَعِّرُ القابضُ الباسِطُ الرازِقُ، وإني أرجو أن ألقى اللهَ وليسَ لأحدٍ قِبَلي مظلَمَةٌ، إنما البيعُ عن تراضٍ".

 

وهو حديث ثابتٌ لم يختلفوا في ثبوتهِ فَمَن جعلَ رَفعَ الثَّمنِ في البضاعةِ كُفرًا فقد ردَّ هذا النصَّ وردُّ النُّصوصِ كُفرٌ كما قال النسفي في عقيدتهِ، والوجهُ الآخرُ منَ الاحتمالينِ لهذه الكلمةِ أن يُريدَ بها الأشخاص الذينَ يُطلِقونها أن الغلاء قد يكونُ سببا لكُفرِ بعضِ الناسِ لأنه مُصيبَةٌ، المصيبَةُ قد تؤدي بأناس إلى الكُفرِ كما قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الحج:11) وهذا الوجهُ ليس فيه رَدٌّ للشرعِ، فلا يُحكمُ على قائله بأنه ردَّ النَّصَ، لكن يُنهى عن إطلاقها لأنها تُوهمُ أن رفعَ السِّعرِ كُفرٌ، فالأمرُ الذي لا يجوزُ القولُ به هو تحريمُ رفعِ السِّعرِ، فلا يجوزُ تحديدُ الرِّبحِ بثُلثِ رأس المالِ ولا نِصْفِه ولا بالمثلِ وقد جاء في حديث تحريم الربا أي الزيادةِ في بيعِ نقدٍ بنقدٍ أو مطعومٍ بمطعومٍ "فإذا اختلفت هذه الأجناسُ فبيعوا كيف شِئتُم إذا كان يدا بيد". فقولُه عليه الصلاة والسلام "فبيعوا كيف شِئتُم" نصٌّ في عدمِ التَّحديد في الربح، كذلك بيعُ المطعومِ بمطعومٍ من غير جنسه، والحديثُ رواهُ مسلمٌ وغيرُه، وفي حديثِ أبي سعيد في قوله صلى الله عليه وسلم "إنما البيعُ عن تراضٍ" دليل على ما ذكرنا أيضا. فإذا عُلِمَ هذا وجبَ الزَّجرُ عن هذه الكلِمةِ.

وأما ما ذكرَهُ بعضُ الحنابلةِ عن الإمامِ أحمدَ من أنه قال: الغَبْنُ حرامٌ فهذا القَولُ ليسَ قولا مشهورًا عند الحنابلةِ وإن صحَّ فمرادهُ أنه إنْ رفَعَ السِّعرَ فوقَ ما هو معتادٌ عند الناسِ وليس مجرَّدَ رفْعِ السِّعرِ، على أن هذه الرواية عن أحمدَ مخالفةٌ للنصِّ فلا يُعوَّلُ عليها لأنها تُنافي قولَه صلى الله عليه وسلم "فإذا اختلفت هذهِ الأجناسُ فبيعوا كيفَ شِئتُم"، وقولَه "إنما البيعُ عن تراضٍ"، والقولُ المعتمدُ الصحيحُ حتى عندَ الإمامِ أحمدَ أنَّ الغَـبنَ ليسَ حرامًا، إنما الحرامُ الغَشُّ والكذبُ والإيهامُ خِلافَ الحقيقةِ كأنْ أوهمَهُ أن هذا هو سِعرُ السُّـوقِ وهو ليسَ كذلكَ، والغَـبنُ ليسَ عَـيْـبًا مُـثبِتـًا للردِّ، لأن المشتريَ هو الذي قصَّرَ في السؤالِ قبلَ أن يشتريَ، وإذا فسخَ البائعُ البيعَ مُراعاةً لخاطرِ المشتري الذي غيَّرَ رأيَهُ وما عادَ يُريدُ الشِّراءَ يَنالُ أجرًا كبيرًا، الله يُقيلُهُ من عثراتِه يوم القيامةِ، وصحَّ عن عبدِ الله بنِ سلامٍ رضيَ الله عنه أنه اشترى شيئا بسبعمائةٍ وباعَه بأربعةِ ءالافٍ، ذكره الحافظ ابن حجرٍ في المطالبِ العاليةِ وذكرَ النوويُ في روضة الطالبينَ تحريمَ التسعيرِ وذكرَ أصحابُ المذاهبِ الثلاثةِ أيضًا ذلك واستثنى بَعضُهُم حالةَ اقتضاءِ الضرورةِ لذلك.

وأما مَن قال عن شخصٍ لـمُجرَّدِ أنه يرفعُ السِّعرَ في البيعِ إنه حرامي فإنه يكفرُ، وأما إن كان قال عنه ذلك لأنه يكذِبُ ويُدلِّسُ ويُموِّهُ ويُوهِمُ النَّاسَ خِلاف الحقيقة فلا يكفرُ، وكذلكَ إن كان يبيعُ بسِعرٍ مُرتفِعٍ فوقَ العادةِ فسَمَّاهُ حرامي على معنى التشبيه فـلا يكفرُ، وأما إن كان يبيعُ بسِعرٍ عاديٍ فسمَّاه حرامي يكفرُ. وأما مَن قال لمن رفعَ السِّعرَ هذا ذبحٌ فإن كان يفهمُ من ذلكَ التشبيهَ أي كأنكَ ذبحتني ولا يفهمُ من ذلك تحريمَ رفعِ السِّعرِ فلا يكفرُ. ومن قالَ للبائعِ الذي يرفعُ السِّعرَ هذا حرامٌ ويفهمُ من ذلكَ الشفقةَ أي أنتَ ما ترأفُ بنا، ما ترحمنا، تُغالي علينا، فلا يكفرُ، وأما إن قال لِمن يرفعُ السِّعرَ هذا غَشٌّ من دون أن يكونَ البائعُ كذبَ أو مَوَّهَ أو أَوْهمَ أنَّ هذا هو سِعرُهُ عند الناسِ وهو ليسَ كذلكَ ولم يُدَلِّس في الكلامِ بل قال أنا أبيعُ هذا بكذا، فمن قال عن هذا إنه غَشٌ وهو يفهمُ معنى الغَشِّ وأنه من الكبائرِ يكفُرُ، وأما إن كانوا يفهمونَ من كلِمةِ هذا غشٌّ أنك تغالي في السِّعرِ كثيرا ولا يفهمونَ ولا يقصدونَ أنه حرامٌ وأن فاعلَهُ يستحقُّ العذابَ في الآخرةِ فلا نُكَفِّرُهُم.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : ســـؤال و جــواب
الزيارات : 6115
التاريخ : 5/8/2012